أحدث الإضافات
العصبية العائلية

فكّر معي: القبلية العائلية

إنّ من أسوأ النزعات العنصرية المتفشيّة في مجتمعاتنا العربية هي ما أسميّه “القبلية العائلية”. فترى الناس في المدن العربية و بالذات في بلاد الشام يتباهون بانتمائهم إلى عائلة ما و كأن مجرّد انتمائهم للعائلة الفلانية يجعلهم من اصحاب الجنّة أو العلم أو الطهارة. لا بل إن كثيرا من العائلات تنشر لك شجرة العائلة التي كلّ واحدة منها بمعجزة ما اصبحت تنتسب للنبي محمد. إن هذا ليس سوى امتداد للنزعة القبلية التي تحوّلت لنزعة عائلية عندما انتقلت تلك القبائل إلى المدن. و مع الأسف الشديد تلك النزعات قد تتحول إلى عنصرية و تعصّب شديد و عمليات ثأر و انتقام و خاصّة في الأزمات الكبرى التي تشهدها بلادنا الآن.

إنّ تفاخُر شخص و كثرة تباهيه بالانتماء لعائلة ما لمجرّد أنه وُلد فيها ليست إلّا تصرفّات نابعة عن شعور بنقص أو فراغ  في الشخصية و في معظم الأحيان لا يكون ذلك الشخص في وعي تام لها. فهو يعوّض عن الإحساس بذلك النّقص بارتداء عباءة العائلة. وكأنه هو الذي أنشأ تلك العائلة و كان راعيها عبر الأجيال. أو أن فيها جينات مقدّسة قد انتقلت إليه لتجعله مميّزا عن بقيّة البشر. إنّ ذلك الشخص لايقف ليسأل نفسه مالفرق بيني و بين أي إنسان آخر خلق في عائلة أخرى؟ هل قدّمت طلبا لله بأنني أريد أن أنتمي لهذه العائلة أو تلك فوافق عليه؟ أليس من الأفضل أن يكون افتخاري بما قمت به أنا شخصيّا من الأعمال و كيف أعامل غيري من النّاس؟

إن الأشخاص الذين عندهم تلك النّزعة القبلية العائلية تتكوّن عندهم نظرة عنصرية فوقية لبقيّة البشر ممزوجة بالكبرياء و الشفقة. فهو إن تكلّم معك فلكي يعلّمك شيئاً. و إن ساعدك فشفقة عليك. و بمجرّد عدم انتمائك لعائلته الكريمة فأنت أقل بدرجات و يصبح محور علاقته معك هو أن يظهر لك أنّه افضل منك. و في سبيل ذلك و في كثير من الأحيان و هو غائص في نزوته التكبرية يفقد احترامه للناس و تصبح تصرفّاته خارجة عن المألوف اجتماعيا. وغالبا ما يتصف بنرجسيّة عالية تفقد ذلك الإنسان قدرته على الإحساس بالآخرين.

إن كثيرا من أولئك الأشخاص ناجحين في حياتهم و ماينقصهم هو بعض من التواضع و النظر إلى بقيّة البشر على أنهم سواسية. و إدراكهم أن كل العائلات لها تاريخها الجيّد و السيئ و أن مجرد أنه ولد في عائلة ما لايعني شيئا أبدا.

ومع الأسف مثلها مثل العنصرية الدينية و الطائفية و العرقية فإن تلك القبلية العائلية يعلّمها الأهل لأولادهم و يزرعونها في نفوسهم منذ الولادة فينشؤون و هي ممزوجة في لاوعيهم و شخصيتهم و من الصعب جدا التخلّص منها.

و حتى داخل الأسرة الواحدة يحاول كلا الوالدين أن ينسب الشيء الجميل في الأولاد لعائلته والشيء السيء لعائلة شريكه
” هالولد طالع مؤدب لخاله وعصبي لعمو”
والرجل يقول للزوجة “ابنك الغبي ( ينسبه لها)”
بينما يقول في نفس الوقت “ولادي أذكياء”

المجتمع لن يستطيع الخروج من ظلامه مادامت مثل تلك النزعات متفشيّة فيه. و من واجب الأب و الأم أن يعلّما أولادهما أن قيمتهم في الحياة هي بقدر مايقوموا به من فعل الخير و الإنتاج و معاملتهم للنّاس كسواسية و احترامهم للآخرين. و أن كل غير ذلك من نسب لعائلة أو قبيلة أو طائفة أو دين أو عرق أو قومية لا و لن ينفعم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*