أحدث الإضافات
أين الخلل

فكّر معي: أين الخلل؟

ألف و أربعمائة سنة تقريبا و أمّة بمجملها غائصة في بحر مظلم هائج من التاريخ المزيّف و التفاسير المغلوطة و الأحاديث المشبوهة يكوّنون تراثا – البعض أطلق عليه اسم “الإسلام الموازي” – جرجر هذه الأمة إلى أدنى المستويات بين الأمم. هذا ما يستنتجه معظم المفكّرين و دعات التنوير الإسلامي المعاصرين. و هذا هو الواقع الذي تستيقظ الأمّة عليه و تدفع أثمانا باهظة بسببه.

و في محاولة لفهم و تدارك هذا الواقع تتوارد في الذهن الكثير من التساؤلات الصعّبة عن تلك الرسالة المقدّسة التي كان ينبغي لها أن تحلّق بالعالم للأفضل و تظهر قوّتها و يعمّ خيرها رغم أنف كلّ الأشرار. فمن أهم تلك التساؤلات هو كيف و لماذا اصيبت تلك الرسالة بكل هذه العلل الضخمة التي ازدادت عبر السنين فآلت الأمور إلى ماوصلت إليه من انحطاط و فشل متوّج بزهق للأرواح و التطرف و العنصرية؟

الواقع يقول أن تلك الرسالة و الرسالات من قبلها لم تستطع ان تنقذ الإنسان من نفسه. لا بل اصبحت هي أيضا ضحيّة من ضحاياه و أداة من أدوات التخلف و التسلط و التطرف و القتل. و عندما استطاع الإنسان الخروج من تلك الدوامة لم يكن ذلك عن طريقها أو بوساطتها و إنما بوساطة التقدم العلمي و الإنفتاح الثقافي و التطور الحضاري كنتائج طبيعيّة لرقي الوعي الإنساني عبر العصور ممّا دفع الكثير على التساؤل ماكان نفع و جدوى تلك الرّسالة.

من الواضح أنّ الإنسان نفسه كان الفاعل الأساسي في تشويه “الرسالات” و حرفها عن مسارها المقصود. فلم تنجُ ديانة من العبث و التشويه عبر العصور حتى صارت كلّ الديانات أدوات في يد المتسلّطين و الإنتهازيين بقصد أو عن غير قصد.

لكنّ هذه الرسالة بالذات كان من المفروض لها أن تنجو من مخالب التشويه و الاستغلال لأنها “صُمّمت” من خالق الخلق و فاطر الكون العالم بخبايا و عيوب خلقه. و صممت لكي تتغلّب على تلك العيوب و تقضي عليها و يكون “الدين لله”. هكذا اعتقد من آمن بها و اتبعها. حتّى أنّهم ارادوا أن ينشروها في الدنيا كلّها و لو بقوّة السلاح.

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) التوبة

لقد أنزلت تلك الرسالة لكي تكون هي الدواء المقدّس الذي مابعده دواء. دواء لاتشوبه شائبة و لايفسد و لايبطل مفعوله. دواء ليتناوله البشر إلى يوم القيامة فيعيد لهم إنسانيتهم و يعمّ الخير بينهم. دواء إن تناولناه بإخلاص كان النّور الذي يضيء لنا طريق الخير و السلام والرقي.

و على هذا أخذ المريض يتناول ذلك الدواء عبر مئات السنين فلم يزدد إلّا مرضا حتى أنه يكاد أن يفقد الحياة. بينما كلّ من امتنع عن تناوله تراه يتمتّع بصحة و عافية يحسد عليها. فهل ياترى كان الخلل في المريض أم في الدواء؟ أم أن ذلك المريض مصاب بمرض لا يمكن شفاؤه حتى بدواء ربّاني؟ أم أن المريض لم يكن مريضا قبل تناول ذلك الدواء؟ أم أنها مؤامرة أزلية على ذلك المريض حاكها ابليس و اعوانه حتى أنهم استطاعوا افساد ذلك الدواء المقدّس؟

لعلّ البحث عن اجابات لتلك الأسئلة أهم من محاولة تعديل الدواء أو إزالة الشوائب منه لأن ما افسده قد يفسده مرّة اخرى كما حصل عبر التّاريخ. أو لأنه الدواء الغلط فمن الأفضل الامتناع عن أخذه كلّيا. أو لأنه لايمكن شفاء ذلك المريض من ذلك المرض!

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*