أحدث الإضافات
The Frame

كلام في القوالب الجمعيّة

إن العقائد و الإيديولوجيات سواء كانت دينية أوسياسية أو اقتصادية مهما كانت تبدو جيّدة للوهلة الأولى عندما تصبح جمعّية فهي بطبيعتها إقصائية و تستخدم كأداة في يد تجّارها للسيطرة و التسلط. و تتحّول إلى منبع للشر الذي يعصف بالإنسانية منذ وجودها. فالرأسمالية تقصي الشيوعية و الأديان تقصي بعضها البعض و المحافظون يقصون الليبراليون و هكذا. و الحقيقة أنّه على المستوى الشخصي لو سنح للفرد أن يختار فسيرى أشياء جيدة في الرأسمالية و الشيوعية والإسلام و الهندوسية والمسيحية و باقي الأديان و التوجّهات السياسية فيأخذ من هذا مايناسبه و من ذاك ما يناسبه و هكذا.

فكلّ فرد يعيش حياةً مختلفة تماما عن الآخر في جسمه و شكله و تربيته و نشأته و بيئته الإجتماعية و الدينية و التعليمية و حتى الطبيعة من حوله. و لكل إنسان تطلعاته و طموحاته و الأمور الخاصّة التي تجعله سعيدا في حياته. فلا يمكن للإنسان أن يكون متكاملا و منتجا و سعيدا في مجتمع يفرض عليه قالبا معيّنا لكي يعيش في داخله.

ونجد ذلك كثيرا حولنا حيث يلجأ الإنسان للخروج عن القالب الذي فرض عليه في مجتمعه بينه و بين نفسه. وعندما يكون ذلك القالب ذا صفة مقدّسة ينشأ عند الإنسان الإحساس بالذنب و تأنيب الضمير بسبب خروجه عن ذلك القالب مما يخلق ازدواجية في السلوك و المعايير. تلك الإزدواجية تدرّب النّفس على الكذب وهو أحد أهم المفاتيح التي تدخل بواسطتها فيروسات الشر.

إن محاولة إصلاح القالب الجمعي إلى قالب أحدث قد يقضي على تلك الفيروسات القديمة و لكن سيخلق فيروسات جديدة طالما أن هدف ذلك القالب أن يفرض أو يكون مقياسا مقدّسا لتقييم صلاحيّة البشر. و عندما نأتي إلى الإسلام على وجه الخصوص فإن محاولة تحديث المفاهيم إلى مفاهيم جديدة في قالب مطوّر ماهو إلّا القفز من حفرة إلى حفرة أكبر منها طالما أن ذلك القالب يصبح مفروضا و مقدّسا خاصة عندما تبدأ السلطات السياسة بتبنّيه لاستخدامه في المستقبل كما استخدمت القوالب الأقدم.

أما لو تحرر الإنسان من القوالب الجمعيّة و أظهر ذاته كماهي على حقيقتها بكلّ حرّية فعندها يكون دائما صادقا موضوعيّا مع نفسه و مجتمعه وينطلق عقله فينمو عنده الإبداع و يكثرالإنتاج و فعل الخير و ينال السعادة. فهكذا خلق الخالق الإنسان يحبّ ان يكون حرّا في اختياراته. و لو كان المقصود للإنسان أن يعيش في قالب معيّن لما كان له حاجة في حرّية الإختيار. و هكذا يكون للفرد الحريّة التّامة في الإختيار بمنئى عن الحلال و الحرام و المكروه و العيب و غيره على ألّا تكون اختياراته فيها أذى للآخرين. أي أن تكون اختياراته مسالمة.

فوالله إنّ أعلى درجات الصدق مع النّفس هو أن يختار الإنسان ما يلائمه في كلّ الأمور و أقصى درجات الصدق مع المجتمع أن لايسبب ذلك الاختيار أذى للناس و الطبيعة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*