أحدث الإضافات
الشر

كلام في الشر

إنّ الشّر الذي يقوم به البشر ناتج عن فكر و عقائد مزورعة في عقول الناس بشكل تلقائي خلال حياتهم دون وعي مسبق يمكّنهم من التمييز بين الصح و الخطأ من المعلومات التي تتلقاها عقولهم منذ الطفولة. أضف إلى ذلك الفكر العادات و التقاليد و البيئة و النظام الإجتماعي و السياسي و الإقتصادي فتتكون ثقافة الإنسان.

أي أن الإنسان عند الولادة يكون كجهاز الكمبيوتر الخالي من البرامج و المعلومات فإن حمّلت عليه نظام أبل أصبح يعمل طبقا لهذا النظام و إن حمّلت عليه نظام ويندوز أصبح يعمل طبقا لذلك النظام و هكذا. و عندما يصاب أحد الكمبيوترات بفيروس أو يحّمل عليه برنامج فيه خلل أو معلومات خاطئة يصاب بخلل في أداءه و قد يسبب أذا. و لكن عندما تزيل ذلك الفيروس أو البرنامج يعود ذلك الكمبيوتر للعمل بشكل صحيح.

قد يتميّز طفل عن الآخر بقدرة عقلية أكبر أو بقوة جسدية و لكن كلاهما خال من الأفكار و الثقافة. فهم في ذلك متساوين. و ثقافتهم قد تجعل منهم أشرارا أو أخيارا و ذلك دون وعي منهم. فالشر الذي يقوم به الإرهابي بالنسبة له خير. فبالنسبة لكثير من المسلمين الخير هو في فرض الجزية على أهل الذمّة و الخير في سبي النّساء و الخير في قتل الكفّار أين ماوجدوهم و الخير في القتال من أجل إقامة الخلافة الإسلامية. و بالنّسبة لباقي العالم هذا كلّه شر بمافيهم الكثير من المسلمين أيضا.

إذا إن القضاء على الشّر نهائيا يبدأ بإيجاد الخلل “الفيروسات” في ثقافة الإنسان و إصلاحه. وليس أبدا في القضاء على الإنسان الشرير. و ذلك الإصلاح للثقافة يتطلب تشجيع الفكر الحرّ و حريّة التعبير و السماح لا بل السعي للتعدّدية في الأفكار أي عدم الأخذ من مصدر أو اتباع مذهب أو مفكّر و احد.

مع الأسف الفكر الحر و حريّة التعبير الذين هما حقّ إنساني يحاربان يوميا و بشكل مكّثف في المجتمع الإسلامي فلا ينجو إلّا من رحم ربّي. و الحرب على حريّة التفكير و التعبير تضاهي بدرجات كبيرة الحرب على “الإسلام”. و الأمثلة على ذلك كثيرة:

فرج فودة قتل
محاولة اغتيال نجيب محفوظ
محمد عبدالله نصر في السجن
إسلام البحيري سجن (خرج مؤخرا)
سيّد القمني يعيش في حصار خانق و مضايقات مستمرة
المدوّن السعودي رائف بدوي في السجن

وحدّث و لا حرج عن حوادث القتل و الضرب و المضايقات لمن سوّلت له نفسه أن يقول أنا رأيي كذا فالقائمة طويلة.

الكثير من أصدقائي يعيشون في مجتمعات غربية و لايستطيعون البوح بما يعتقدون خوفا من الأذى الاجتماعي أو الإقتصادي أو حتى الجسدي من المجتمع الإسلامي الذي حولهم. هذا واقع أليم وقهر فكري ليس من دولة و إنما من أهلهم و أصدقائهم و مجتمعاتهم.

الدليل يمكنك أن تراه في مئات الألاف من حسابات الفيسبوك بأسماء مستعارة خوفا من أن يلحقهم الأذى من مجتمعاتهم. وذلك لكي يستطيعون التواصل مع غيرهم و مناقشة أفكارهم و التكلم بحرّية نقدا للإسلام أو الدين بشكل عام.

و في كلّ يوم لي صديق على الفيسبوك يخسر حسابه بسبب التبليغات التي تتلقّاها شركة الفيسبوك من المجاهدين الإلكترونيين بالتبليغات على حساباتهم.

و هكذا يجب على كلّ مسلم أن يقوم بشعائر الإسلام و يؤمن بالإسلام و يطبّق شريعته كما يؤمن المجتمع الذي يعيش فيه غصباعنه إمّا خوفا من تهمة ماقد تودي بحياته أو من الضغط الاجتماعي و العزلة. فالذي يعيش في المجتمع الوهابي يجب أن يكون وهابيا و السلفي سلفيا و السنّي التقليدي تقليديا و الشيعي شيعيا في كلّ شيء يصوم إذا صاموا و يصلّي إذا صلّوا و يؤمن بقدسية الأحاديث أو نهج البالاغة و أن يعتقد أن نظرية التطور كفر أو أنّ الأرض مسطحّة أو أن المسيحيين و اليهود كفّار و يجب على المرأة أن ترتدي الحجاب كلّ ذلك غصبا إلّا من رحم ربّي من المجتمعات هنا و هناك.

طبعا و التهم كثيرة من كافر إلى منافق إلى زنديق إلى ازدراء الأديان و لا يعرف ألم ذلك إلّا من جرّبه.

فلا و الله ليس هذا هو الإسلام. “فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر”. “لكم دينكم و لي دين”.

لا أدري ما هو الخطر على الإسلام ممن رأى أشياء لايستطيع أن يتقبّلها فنقد و شكك و سأل و تحقق ثم استنتج فتكلّم. طبعا التشكيك و النقد لا يمتّ لنقصان العقل أو قلّة الضمير أو الأخلاق بصلة إلّا في حال كان مصحوبا بتحريض أو رغبة في إيذاء الآخرين جسديا أو إجتماعيا أو اقتصاديا.

أنا لا أرى أي خطر يمكن أن تشكله حرية الفكر و التعبير على الإسلام بل الخطر هو في تكميم الأفواه و إبطال العقول. فالعالم بدأ يستغني عن البترول و دولاره (البترودولار) الذي هو الحامي الأول للإسلام التقليدي أو الموازي سمّوه ماشئتم – وليس المسلمين طبعا – وذلك لأن الدين و رجاله هو الأداة التي يستعملها الحكّام للسيطرة على شعوبهم و تنويم عقولهم. وعندما يستغني العالم تماما عن ذلك البترول فلن تقوم لهذه الأمة قائمة مازالوا تحت وطأة ذلك الفكر التقليدي. و مانشهده ماهو إلّا غيض من فيض.

 

إذا حسنا و ماذا بعد؟

يتبع…

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*