أحدث الإضافات
النّص المقدّس

فكّر معي: النّص و التأويل المعاصر

إن الأساس في فهم النّص هو كيف ينظر القارىء إليه (Perception). فالنّاس منقسمين إلى قسمين: النّص كلام الله أو النّص ليس كلام الله.

من يعتقد أنّ النّص هو كلام الله لايمكنه أبدا أن يراه بمعزل عن قدسيّته لأن عقله لايسمح له أن يخرج عن هذا الإطار فيصبح كلّ مايقرأه من النّص صحيح حتّى لو لم يستطع إثباته أو فهمه. ويصبح كل أمر و قصّة وردت في ذلك النّص مهما تنافت مع العقل و المنطق تصبح لاغبار عليها مع أنّه لم يشهدها و لم يرى شيئا شبيها لها في حياته. و مع أنّه لو سمع قصّة مماثلة من ديانة أخرى فسيقول عنها خرافة. فهذه القصص من النّص المقدس حقيقة لايمكن النّقاش فيها مهما تنافت مع المنطق و الإنسانية و حتى مع الله ذاته. هي في النّص المقدس فهي حق. لابل إنّ القصّة و مسارها هي التّي تحدّد المنطق و ليس العكس.

فنرى الخالق (حاشى لله) يُغرق البشرية بطوفان أو يُهلك قرية بريح صرصر أو بأن يجعل عاليها سافلها و هكذا.

و في الأحيان التي يكون فيها القارىء نابغة تأتي تساؤلات حول مايفهمه من النص ممّا لايتوافق مع منطقه الإنساني المتماشي مع العصر. فبالنسبة لذلك القارىء المتفكّر تصبح التفاسير- التي فنى كثير من الباحثين الإسلاميين “العلماء” حياتهم في دراستها و توضيحها خلال ال 1400 سنة – تبدو تلك التفاسير للنص خاطئة و غير منطقية. ولكن و مهما بلغ سقف التساؤل فلايمكن له أن يشكك أو يتساءل عن النص نفسه فهو مقدّس و هو كلام الله و لايستطيع عقله أن ينظر وراء ذلك الجدار.

ولكي يصبح النّص مفهوما طبقا منطقه المقدّس للنص و ملائما لعصره و إنسانيته يبدأ ذلك الباحث المؤمن بقدسيّة النّص بتأويل مفردات النّص لمعانٍ أخرى أكثر قبولا. و الإنتاج يكون نظام متكامل رائع قد يبدو للوهلة الأولى أنه الجواب لكلّ سؤال و تساؤل و أنّه الإثبات أنّ النّص ازلي و لكل زمان و مكان.

 

إنّ اللّغة هي بحد ذاتها نظام متكامل للتواصل و عندما يستخدمها الكاتب لتدوين كتاب معيّن فالإنتاج يكون أيضا نظام متكامل مركبّ من اللغة التي استخدمها الكاتب و من أفكاره و إحساسه و مجمل عقليّته. و يكون الكتاب ككل منسجم مع بعضه و مع أفكار الكاتب و ما يريد أن يقوله فلا تجد فيه تناقض كبير في المعنى و المضمون. و لذلك فمن الطبيعي أن يكون لكل كلمة معناها الخاص و لا تستخدم في ذلك الكاتب إلّا لهذا المعنى. و من الممكن ببساطة أن يأخذ القارىء تلك الكلمة فيسقط عليها معناَ قريبا أ و موازيا لها ليغيّر المفهوم العام لكلام الكاتب بما يتماشى مع مفهومه الخاص. فيتغيّر مفهوم كل عبارة ترد فيه تلك الكلمة إلى المفهوم الجديد. و هذا ليس فيه إعجاز و لكن ربّما فيه تحوير لما أراد الكاتب أن يقوله.

فمثلا العبارة التالية: لعب الولد بالحصان الخشبي و لعبت أخته بالدمية.

إذا اسقطنا معنى فرح على كلمة لعب لأصبح معنى الجملة

فرح الولد بالحصان الخشبي و فرحت أخته بالدمية.

وهكذا تصبح أين ما وردت كلمة إثم = تخلّف و الفجر = الإنفجار الكوني (الذي مازال قيد البرهان) و شهر = إشهار و العرش = أوامرالله و القلب = العقل.

طبعا هذا مثال بسيط لمايحاول أن يقوم به البعض لتأويل النّص لما يتناسب مع العصر و المنطق و لاندري إن كان هذا هو المقصود فعلا في النّص أم لا. كل ما نعلمه أن التأويل الجديد أجمل و أقرب للواقع المعاصر ناسين أن المنطق الإنساني – الذي يحاول المفكّر إثبات أن النّص يتماشى معه ليبرهن على قدسية النّص – قد وجد قبل هذا التأويل و لذلك فلاحاجة لنا به أصلا.

لاننكر أنّ القيام بهكذا عمل لنصّ من آلاف الكلمات هو عمل خارق و من المؤكد أن هنالك عقبات كثيرة اضطر المفكر لإعادة النظر و البحث و التفكير لكي يتجاوزها و من المؤكد أيضا أن هنالك ثغرات كثيرة لم يستطع أن يجد حلا لها. وهو يعلم ذلك جيدا و لكن تلك الثغرات من الصعب إيجادها حاليا بالعين المجردة و لكن من يجدها ينهار نظام التأويل الجديد عنده.

أمّا من ينظر إلى النّص على أنه ليس كلام الله فسيستطيع أن يتعامل معه على أنّه كتاب فيه الحكم و فيه الصح و الغلط فيأخذ ما هو جيد و يذر ما هو سيء و عندما يتضارب النّص مع الفكر و المنطق و الإنسانية فهو لايشغل باله و لاحاجة له بمحاولة إعادة تأويل النّص ليتطابق مع الواقع لأنه لا فائدة من ذلك أصلا إلا إذا أراد أن يثبت ان النص مقدس من أجل عقيدته و هذا ليس من ههمومه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*